فصل: قال ملا حويش:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ملا حويش:

تفسير سورة الكهف:
عدد 19- 69- 18:
نزلت بمكة بعد الغاشية، عدا الآيات 28 ومن 83 إلى 101 فإنهن نزلن بالمدينة، وهي مئة وعشر آيات، وألف وخمسمائة وسبع وخمسون كلمة، وسنة آلاف وثلاثمائة وستون حرفا.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ} محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب {الْكِتابَ} القرآن العظيم العربي السوي {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} 1 في مبانيه ولا بمعانيه، لأن العوج في المعاني كالعوج في الأعيان، يقال في رأيه عوج كما يقال في عصاه عوج، ولكن يقال لما يدرك بالعين بفتح العين، ولما لا يدرك بكسرها.
ومن هذا القبيل الغين بفتحتين الخديعة في الرأي، وبفتح وسكون الخديعة في البيع والشراء، والسكن بالفتح ما سكنت إليه، وبالسكون أصل الدار، والغول بالفتح البعد، وبالضم ما اغتال الإنسان، واللحن بالفتح الفطنة، وبالسكون الخطأ بالكلام، والخمرة بالفتح الريح الطيبة، وبضم الخاء في اللبن والعجين والنبيذ، والجد بالفتح الحظ، وبالكسر الاجتهاد، راجع الآية 17 من سورة الفرقان والآية 56 من سورة المؤمن المارة تجد ما يتعلق بهذا البحث {قَيِّمًا} عدلا مستقيما جيء بهذه تأكيدا لأن نفي العوج يغني عن الاستقامة، ولذلك وصفه به إذ رب مستقيم مشهود له في الاستقامة لا يخلو عن أدنى عوج أو عوج في ذاته ورأيه عند تصفحه وتفحصه {لِيُنْذِرَ بَأْسًا} عذابا عظيما في الدنيا والآخرة {شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} للكافرين به {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ} عند اللّه {أَجْرًا حَسَنًا} 2 لا أحسن منه وهو الجنة ونعيمها الدائم، يدل عليه قوله: {ماكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} 3 لا يتحولون عنه {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} 4 من الملائكة وهم قريش ومن حذا حذوهم، ويدخل في هذه الآية الذين اتخذوا عزيرا والمسيح ولدين له من النصارى واليهود، تنزه عن ذلك تأسيا بهم، راجع الآية 30 من سورة التوبة والآية 16 من سورة المائدة، وبما أن قولهم هذا كله بهت وافتراء محض قال تعالى: {ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أبدا وإنما صدر منهم هذا القول عن جهل مفرط بذات الإله المنزه عن ذلك، وانتفاء العلم قد يكون للجهل بالطريق الموصل إليه، وقد يكون في نفسه محالا لا يستقيم تعلق العلم به كهذا القول، لأنه ليس من العلم لاستحالته {وَلا لِآبائِهِمْ} به علم فإنهم قالوه عن جهل أيضا وتلقوه عنهم جهلا دون نظر وتدبر وتفكر {كَبُرَتْ} هذه الكلمة منهم وعظمت {كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ} من غير أن تحكم بها عقولهم ولكن لا عقل لمن يقولها ما أكبرها من كلمة {إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} 5 بحتا غير مطابق للواقع، وبعضهم عرّف الكذب بأنه الخبر الغير مطابق للواقع مع علم قائله أنه غير مطابق للواقع، ولا وجه لهذه الزيادة في الحد لأن الكثيرين يقولون هذا القول ولا يعلمون كونه باطلا غير مطابق للواقع، فظهر أن هذه الزيادة باطلة {فَلَعَلَّكَ} يا سيد الرسل {باخِعٌ نَفْسَكَ} مهلكها {عَلى آثارِهِمْ} حين تولوا عنك لما أنذرتهم ودعوتهم للإيمان حزنا عليهم وتتبع طرفك حسرات عليهم لتباعدهم عنك، شبهه وإياهم برجل فارق أحبته فصار يساقط الدموع على آثارهم وأطلال ديارهم وجدا عليهم وتلهّفا على فراقهم، راجع الآية الثانية من سورة الشعراء، وهنا كأنه يشير إلى ما جاء آخر السورة امارة من قوله: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} وهو وجه المناسبة بمجيئها بعدها، وقد أبان اللّه تعالى سبب تأسفه وتأوهه عليهم بقوله: {إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ} الجليل الشأن أي القرآن المعبر عنه بصدر السورة بالكتاب ووصفه بالحديث بالنسبة لما نتلوه نحن لأن تلاوتنا له حادثة وهو قديم منزه عن الحدوث، راجع بحث خلق القرآن بالمقدمة {أَسَفًا} 6 مفعول لأجله أي أنك قاتل نفسك لأجل التأسف عليهم لعدم إيمانهم، فلما ذا يكون منك هذا؟ أخرج ابن مردويه عن ابن عباس: أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا جهل والنضر بن الحارث وأمية بن خلف والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأبا البحتري، في نفر من قريش اجتمعوا على خلاف رسول اللّه ومناوأته وكان صلّى اللّه عليه وسلم قد كبر عليه ما يرى من خلافهم إياه وإنكارهم ما جاء به من الهدى فأهمه ذلك وأغمه، فأنزل اللّه هذه الآية يسليه بها.
وقال بعض المفسّرين إن معنى باخع قاتل والقتل والإهلاك شيء واحد، قال ابن الأزرق:
لعلك يوما إن فقدت مزارها ** على بعده يوما لنفسك باخع

أي مهلك.
وقال الفرزدق:
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه ** لشيء نحّته عن يديه المقادر

أي القاتل.
قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ} من الجبال والأودية والبحار والأنهار والنبات والأشجار والمعادن والحيوان {زِينَةً لَها} كما زينا السماء الدنيا بالكواكب المختلفة ليغتر أهلها بها وتأخذ قلوبهم زخارفها وذلك {لِنَبْلُوَهُمْ} نختبرهم ونمتحنهم {أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} 7 فيها وأزهد لما يعطى منها من غيره المنهمك في حبها لنظهر للناس ذلك وليعلموا من يميل إليها بكليته ممن يرغب عنها، وإلا فاللّه عالم بذلك قبل ذلك {وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها} من الزينة بعد كمالها وتطاول أهلها {صَعِيدًا} أرضا ملساء {جُرُزًا} 8 يابسة بعد أن كانت خضراء زاهية ونفعل بأهلها كذلك بأن نسلبهم ما جمعوه منها حتى يأتوننا صفر اليدين خاسرين الدنيا والآخرة، راجع الآية 94 من سورة الأنعام المارة، وقد أكدت الجملة بأن واللام إيذانا بتحقيق وقوعه وهو واقع لا محالة في الوقت المقدر لخراب الدنيا، راجع الآية 25 من سورة يونس المارة.

.مطلب قصة أهل الكهف ومن التوكل حمل الزاد والنفقة، وخطيب أهل الكهف:

قال ابن عباس: إن قريشا اجتمعوا وقالوا إن محمدا نشأ فينا بالأمانة والصدق وما اتهمناه بكذب قط، وقد ادعى ما ادعى فابعثوا نفرا منكم إلى يهود المدينة واسألوهم عنه، فإنهم أهل كتاب، فبعثوا جماعة إليهم، فقالت اليهود سلوه عن ثلاثة أشياء فإن أجاب عن كلها أو لم يجب عن شيء منها فليس بنبي، وإن أجاب عن اثنتين ولم يجب عن واحدة فهو نبي، فاسألوه عن فتية فقدوا في الزمن الأول ما كان شأنهم فإنه كان لهم حديث عجيب، وعن رجل بلغ مشرق الشمس ومغربها ما خبره، وعن الروح راجع الآية 85 من الإسراء فرجعوا وأخبروا قومهم بذلك، ثم أنهم سألوا النبي صلّى اللّه عليه وسلم فأنزل اللّه تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ} الغار الواسع يكون في الجبل {وَالرَّقِيمِ} اللوح المكتوب عليه أسماؤهم وقصتهم {كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَبًا} 9 أتظنّ يا محمد أن شأنهم أعجب من آياتنا التي منها خلق السماء والأرض وما فيهما وعليهما كلا، بل في خلقنا ما هو أعجب وفي صنعنا ما هو أبدع من ذلك، وإذ سألوك عنهم يا حبيبي فاذكر لهم ما نوحيه إليك مما هو أوضح مما عند أهل الكتاب وغيرهم وأصح {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ} جمع فتى وهو الطريّ من الشباب والجمع للقلة {إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} هدى ونصرا وأمنا من أعدائنا ورزقا ومغفرة {وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا} الذي نحن عليه من مفارقة الكفرة والركون إلى دينك القويم {رَشَدًا} 10 واهتداء للطريق الموصل إليك.
قال تعالى: {فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا} أي أجبنا دعاءهم وهديناهم الدخول في الغار الذي صاروا إليه وألقينا في قلوبهم أن يناموا فيه قناموا حالا مع أن الخائف لا ينام وجعلنا عليهم حجابا ثقيلا بحيث لا تنبههم الأصوات إلى الوقت المقدر ليقظتهم منه كما سيأتي {ثُمَّ بَعَثْناهُمْ} أيقظناهم من نومهم {لِنَعْلَمَ} لا شك أنه تعالى عالم وإنما أراد إعلام الناس بذلك ليعرفوا {أَيُّ الْحِزْبَيْنِ} المختلفين في مدة نومهم {أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَدًا} 12 الأمد المدة التي لها حد والفرق بينه وبين الزمان أن الأسد يقال باعتبار الغاية بخلاف الزمن فإنه عام في المبدأ والغاية ومثله المدى {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} يا سيد الرسل {نَبَأَهُمْ} خبرهم قصصا صحيحا {بِالْحَقِّ} الذي لا مرية فيه وهو {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً} 13 بإيمانهم وبصيرة في تصديقهم ومعرفة بإسلامهم {وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ} الطاهرة المملوءة بالعقيدة الراسخة بوجود الإله الواحد والبعث والجنة والنار لأنا نورناها بنور البصيرة، ثم أوقرناها بالصبر، وقويناها باليقين {إِذْ قامُوا فَقالُوا} لملكهم الجبّار دقيانوس حين أنبهم على عدم عبادة الأوثان وعدم الاعتراف بألوهيتها {رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهًا لَقَدْ قُلْنا إِذًا} إن دعونا غير إلهنا الحق تبعا إلى هواكم وخوفا من عقابكم فيكون قولنا قولا {شَطَطًا} 14 أشرا كذبا محضا وبهتا، لأن الشطط هو الغاية في البعد والنهاية في مجاوزة الحد، وقالوا أيضا {هؤُلاءِ قَوْمُنَا} الذين اتبعوا {اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} وفي هذا تبكيت وتقريع، لأن الإتيان بالحجّة على صحة عبادة الأوثان محال {لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ} وإذا لم يأتوا فقد ظلموا أنفسهم {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} 15 لا أظلم ممن زعم أن للّه شريكا.
قال تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ} تركتم قومكم {وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} من الأوثان فرارا من دينهم الذي يريدونكم عليه قسرا أيتها الفئة الصالحة حفظا لدينكم وحرصا عن صدكم عنه، وذلك أنهم هربوا من أمام الملك لما رأوه يريد الفنك بهم لما سمعه منهم من الطعن في دينه وهجروا أوطانهم وفارقوا قومهم حبا بدينهم وحرصا عليه وقال بعضهم لبعض أثناء الهرب {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} وكلهم يعرفه بدليل مجيئه معرفا، فتراكضوا نحوه ولجأوا إليه وأعمى اللّه جماعة الملك الذين لحقوقهم ليقبضوهم ويحضروهم أمامه ليعذبهم على ما وقع منهم، إن يروهم، كيف لا وقد ألهمهم اللّه تعالى قوله: {يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا} 16 منتفعا ويسرا وسهولة، ثم اختفوا فيه وألقى اللّه عليهم النوم الثقيل.
وقد ذكر اللّه تعالى ما خصهم به من اللطف والعطف لقوة يقينهم وثبات عزيمتهم فقال: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ} تميل وتعدل {عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ} جانبه وجهته {وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ} تتركهم وتزورّ عنهم {ذاتَ الشِّمالِ} لجانبه وجهته {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} من متسع الغار {ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ} وعجائبه وبدائعه لأن من كان في ذلك السمت لتصيبه الشمس وهي لا تمسهم إكراما لهم وهم لم يقصدوا ذلك الغار إلا بهداية اللّه {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} وفي هذه الجملة ثناء عليهم لسلوكهم سبل الهداية وعطفا عليهم لتخصيصهم بتلك الكرامة ولطفا بهم لإنقاذهم من الضلالة {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} 17 من دونه البتة {وَتَحْسَبُهُمْ} أيها الناظر إليهم {أَيْقاظًا} لأن أعينهم مفتحة {وَهُمْ رُقُودٌ} نيام، والواو هنا للحال، وهذا من جملة ما خصّهم اللّه به ليهابهم منّ يدخل عليهم فيتحاشاهم وينكص خوفا منهم لأنهم جماعة وفي ظل كهف فلا يتجاسر أحد من أن يقربهم.